بجزرة السلاح الأميركي النوعي، وعصا المحكمة الجنائية الدولية، بعد مُذكرتي الاعتقال في حق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، الصادرتين الخميس 21 تشرين الثاني 2024، أوقف نتنياهو إطلاق النار على لبنان مُجبَرا، ولكنه لم يوقف بعد عدوانه "بالمفرق"...

كما وأن "إسرائيل" كشفت أنها تخشى من أن تأخذ واشنطن قرارا أحاديا، أي التصويت في مجلس الأمن الدولي على قرار لوقف النار في لبنان، لأنها تريد أن تقول إنها هي مَن قررت وقف إطلاق النار... وإنها فرضت الشروط التي تُريدها.

فهل يَستفيد لُبنان اليَوْم، مِن "استِراحَة المُقاتِل" تِلك، لتَحصين وضعِه الدَّاخِليِّ، بدءًا بانتِخاب رئيسٍ للجُمهوريَّة، في التاسع من كانون الثاني 2025؟... وهل سيُعمَل سريعا لإعادة ترتيب البيت الداخلي؟...

وقف إطلاق النار؟

تحضيرا للاستفادة من "العُروض الغربية" المُغرية، أجرى نتنياهو مُشاورات مع بعض الوزراء الذين كانوا يرفضون اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان، وعددهم لا يتخطى الثلاثة وزراء.

كما وأنه تلقى وعدا من واشنطن، بتحرير الأسلحة التي امتنعت عن إعطائها لإسرائيل مُسبقا، فور التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان.

وثمة كلام آخر، قيل في شأن وقف إطلاق النار. فقد التقت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية بالباحث دايفيد خلفا، المُدير المشارك لـ"مرصد شمال أفريقيا والشرق الأوسط"، الذي فسر إعلان نتنياهو وقف إطلاق النار في لبنان، بالاستناد إلى أبعاد عسكرية وديبلوماسية.

وأشار خلفا إلى أربعة أسباب رئيسية لقرار "إسرائيل" وقف القتال. والهدف الأول هو إضعاف "حزب الله"، ومنع ربط الجبهة الشمالية مع الجبهة الجنوبية. فبعد اشتباكات مُكثفة خلال الأشهر الماضية، خفف الحزب من استراتيجية الاتصال بين الجبهتين، ما سمح لـ "إسرائيل" بتفكيك الجبهتين بعيدا من بعضهما البعض.

أضاف خلفا في هذا الإطار أن الجُنود الإسرائيليين المُتواجدين على الجبهة الشمالية، هم أنفسهم الذين كانوا يُقاتلون في الجنوب، ما تسبب في إجهادهم الكبير بعد حوالي عام من المعارك المستمرة، فيما تحتاج "إسرائيل" إلى منح قواتها فترة راحة بسبب الخسائر الكبيرة التي تكبدها الجيش الإسرائيلي، إذ قُتل حوالي ألف جندي في الاشتباكات...

كما ولا يُخفى العامل الديبلوماسي في القرار الإسرائيلي، إذ تخشى "إسرائيل" من موقف مُشابه للقرار 2334 الذي أصدرته إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، في الأُمم المُتحدة ضد الاستيطان في الضفة الغربية... ما قد يفرض ضُغوطا ديبلوماسية على "إسرائيل"، اليوم أيضا.

وأما في شأن مُذكرتَي الاعتقال الصادرتين عن المحكمة الجنائية الدولية ضد نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، فيرى خلفا أن "ثمة رابطا غير مباشر، حيث يعكف الإسرائيليون على تقديم يد بيضاء إلى إدارة الرئيس الأميركي المُنتخب دونالد ترامب، الذي قد يتعامل مع هذه القضايا في شكل مُختلف، ويسعى إلى تحييد تأثير المحكمة على إسرائيل".

كما وتتداخل العوامل العسكرية والديبلوماسية في قرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولُبنان، مع وجود تحديات عدة أمام تنفيذ هذا الاتفاق واستمراره، فالمُعادلات الإقليمية قد تؤثر في شكل كبير على مواقف الأفرقاء المعنيين في المستقبل.

بيد أن المُهم يبقى – بالنسبة إلى المُواطنين اللُبنانيين العُزَّل... وقف النيران ولو لـ60 يوما كبداية!.

ومع مُرور الوقت تتضح أكثر صورة الإغراءات التي عُرضَت على نتنياهو للقبول بوقف النار من فرنسا والولايات المُتحدة على السواء.

فباريس تعهدت بوقف العمل بمُذكرة توقيف نتنياهو، الصادرة عن محكمة العدل الدولية، لانغماسه ووزير دفاعه يوآف غالانت، بجرائم الحرب.

وواشنطن اشترطت أخيرا عليه، وقف إطلاق النار، لمنحه سلاحا نوعيا كان محظورا على "إسرائيل".

في المجال الأول، ظهر "الانعطاف" هولنديا، إذ أشار رئيس الوزراء الهولندي ديك سخوف، الجمعة 29 تشرين الثاني 2024، إلى "خيارات أمام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ليزور هولندا، من دون اعتقاله"، على رُغم مُذكرة الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية - الدولية في حقه.

وبدا أن كلماته تخفيف لموقف سابق أبداه وزير الخارجية كاسبر فيلدكامب الذي قال قبل أُسبوع، في البرلمان، إن أمستردام "تتعاون بالكامل مع المحكمة الجنائية الدولية".

مساعي انتخاب الرئيس

لقد بات الظرف أكثر مُواءمة اليوم، لانتخاب رئيس جديد للجُمهورية اللُبنانية. وقد برزت تطورات مُتسارعة رئاسيا، إذ حدد رئيس مجلس النواب نيبه بري، في مُستهل الجلسة العامة لمجلس النواب، الخميس 29 تشرين الثاني 2024، التاسع من كانون الثاني 2025، موعدا لجلسة انتخاب رئيس للجُمهورية. وقال: "كُنت آلَيْتُ على نفسي، أن فور وقف إطلاق النار، سأُحدد موعدا لجلسة انتخاب رئيس". وأشار إلى أن "الجلسة ستكون مُثمرة، ومن أجل هذا الأمر، أعطيتُ مهلة شهر من أجل التوافُق".

وفي هذا الإطار، برز كلام نقله زُوار رئيس المجلس عنه، ومفاده أن بري سيسعى إلى أن يكون الرئيس المقبل من رحم المجلس النيابي.

وبعد فثمة سوال يُطرح: هل من قبيل الصدفة أن تتزامن زيارة المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان إلى بيروت، مع تحديد بري موعد عقد جلسة انتخاب رئيس للجمهورية؟.

إن ذلك يدل على ظُهور مُعطى جديد قد يُؤدي إلى انتخاب الرئيس. كما وتُشير المعلومات إلى أن الفرنسيين اتصلوا بالمملكة العربية السعودية، للاطلاع على موقفها، من خلال التواصُل بين قصر الإليزيه والقصر الملكي السعودي. وقد كان الموقف السعودي واضحا بدعم لبنان، وعدم التدخل بالأسماء الرئاسية، وانتخاب رئيس سيادي وإصلاحي يقود المرحلة الأمنية والعسكرية الدقيقة.

ويُراهن لودريان على دور الكتل النيابية الوسطية والمعتدلة، في المُساعدة والضغط على طرفي النزاع، للوصول إلى تسوية رئاسية تُتيح انتخاب رئيس.

والأهم هو تَوْقيت زيارة لودريان بعد سريان هدنة "وقف إِطلاق النار"، والحديث عن إتمام انتخاب رئيس الجمهورية خلال هذه المُهلة...

فهل يستثمر لُبنان "الجَزْرة" الدولية لـ"إسرائيل" لينتَخِب الرئيس الموعود؟.